google.com, pub-6282892942598646, DIRECT, f08c47fec0942fa0 تحت المطر | الوقائع بريس الفنية والرياضية
الرئيسية » » تحت المطر

تحت المطر

إبـداع أدبـي..
                                                 تحت المطر  


عبـد اللـه الهـوز

نهضت متثاقلا من نومي، وفتحت شباك غرفتي أتفقد حالة الطقس العاصف، فإذا
بالشارع يغرق بالسيول الموحلة، والسماء مشدودة إلى الأرض بأسلاك حبات المطر الكبيرة، والمارة ينكمشون في مداخل البنايات، يرتجفون بردا، وإذا السيارات تعوم فوق السيول.
ارتديت معطفي الواقي من المطر، وركضت تحت زخات المطر الى محطة الاطوبيس، سأستقل هذه الحافلة ،لكن كيف سيتاح لي الصعود إليها ورصيف المحطة يكاد أن يتزلزل بهذه العشرات المنتظرة؟
أنا انتظر، أنتظر، ولن أتحمل الانتظار أكثر من ذلك..سأذهب في طاكسي.
تنبهت، أن في جيبي عشرة دراهم،عشرة دراهم للذهاب إلى استقبالها في
طاكسي؟ ولكن كيف أعود؟ وبحركة عجلى، سرت تحت المطر بنشوة
وبانتصار، وبحيرة،فالحياة اليوم كلها لي...
وصلت، نقلت نظراتها بين وجهي المنفعل، وثيابي المبتلة،وتبسمت،فتبسمت بدوري، بحركة لا شعورية صافحتها/وحين تهادت حبات المطر على وجهي، وكاد الصقيع لينام في أطرافي، وعلى راس الأنف، فركت عيني، وسرت تحت المطر.كنت أتهادى في سيري نشوان كأني حقل مزهر تناب الشمس بين أعشابه ويغرد الطير على شجيراته، وان كل من يراني يشك في أنني مصاب بمرض عقلي.
ثم انجرف وعيي يراقب زخات المطر التي داهمت الذين اقفلوا مظلاتهم، تغمرني
لذة ساخنة، وتلهيت حينا بخطواتي،فضيقتها،ثم تسربت اللذة الساخنة إلى راسي
تداعبه وتزرع في أنحائه نمنمة ملتهبة.
المطر ينهمر، البرد يقسو. الناس تخاف المطر في النهار، أنا أخافه في الليل، وهذا الخوف يشلني، هم يخافون أن تتوسخ ثيابهم بالأوحال، وتبلل بالمياه، وأنا أخاف الرعد والرياح والظلمة والبرق.
توجهت إلى محطة الطاكسيات، وارتميت في أول طاكسي مر، ونزلت على مدخل دار السينما، انتظرت مشتت القوى، على المدخل، انتظرت لحظة انطفاء الأضواء
لأتغلغل في الظلام إلى مقعدي،لا، لن أجرؤ على الوقوف في النور فتشير إلي
الأصابع، وحيدا، وحيدا في السينما، ووحيدا...وحيدا.
وعند تسللي في نهاية العرض، كن مع المنتظرين على الرصيف، نراقب طلعة
الحافلة الزاحفة من المنحى.
ووقف الاطوبيس، وتسابق الجميع إلى جوفه كسمك صغير يزدرده حوت جبار، وتدلى البعض منهم على المدخل، وتشبثت أيدي البعض الآخر بقضبان الحديد المركزة على الشبابيك، واتكأ شاب على كتف فتاة، وتحسس كهل ظهر امرأة عطرة، واصفر وجه طفلة تراقب يد غريب تتنزه على صدر أمها والحافلة تجرجرهم.
وابتعدت أخيرا عن الضجيج، ودفنت نفسي تحت الغطاء الصوفي في البيت، تزداد
حاجتي إلى البيت في الليالي العاصفة وأغلق شبابيكه وأسدل الستائر واحتمي
في أفراش، مغمض الأجفان.
ساهم بنشر المشاركة :

0 التعليقات:

إرسال تعليق